بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد أختاه..
فهل الالتزام صعب؟
إنه لسؤال مهم مُلح..
ما ذلك الوهم الغامض الذي يمنع كثيرا من المسلمات أن يلتزمن دين الإسلام.. بالتوبة من المعاصي الظاهرة والباطنة، والتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن؟
بل تعالي أختاه نجعل الأمر أعم من أنه قضية المرأة وحدها..
ما الذي يحول بين كثير من الناس، وبين التوبة وسلوك سبيل المؤمنين؟
إنه استثقال التوبة واستصعاب الالتزام ،وهذا من فعل الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ..
بعض الناس إذا قلت له :" تب" .. قال لك :" إن هذا علي صعب عسير" ..
فمثلاً نرى المدخن يقول :" إن لي عشرين عاماً وأنا أدخن .. أنا أنوي التوبة من التدخين .. ولكن كيف أتوب وقد تسرب هذا السم إلى جسمي، وصرت لا أستطيع التخلص من أسره . . ؟؟"
ويقول آخر :" إنني منذ عرفت عيناي الرؤية وأنا أنظر الى النساء . . فكيف أتوب؟"
وآخر :" كيف أنتهي عن الكذب والنميمة . . ؟؟"
ورابع يقول :" إنني طوال حياتي أرسم للناس صورة خيالية عن نفسي، ولا أستطيع أن أهدم تلك الصورة الآن" . .
إنهم وفي قرارة أنفسهم يعلمون أنهم مخطئون ، ولكنهم يحتجون أو يتبجحون ، فيقولون : "إنَّ الملتزمين قد حرموا كُلّ شيء ؛ السجائر . . الخمر . . الموسيقى . . الشم . . الهيروين . . كُلّ هذا حرام ،فماذا بقي لنا ؟"
سُبحان الله العظيم . . فكيف السبيل للتحاور مع هؤلاء؟ . . كيف تقول لهم:"إنّ الحرام أشياء معدودة، وهو ما حرمه الشرع،ولم يحرمه الملتزمون . . أما الحلال فلا سبيل إلى حصره .."
إننا نتناسى أن الأصل أن نعيش لله وبالله . .
أختاه
لا ينبغي أن يـُستثقل الالتزام مثل ألا نقوم لنصلي الفجر، في حين تعودنا أن ننام حتى الظهر . . أليس من الخسران تحويل كثير من الناس ليلهم إلى نهار . . ونهارهم الى ليل . . ؟
هذا في حين يقول الخالق في كتابه العزيز : { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا } [النبأ : 10-11] وقال: { مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ } [القصص : 72]
فالليل سكون ، وأنت قد قلبت السكون إلى ضجيج وموسيقى ، وعشت ليلك نهاراً ، لذا لن يكفيك نوم النهار كله ،ولكن حاولي ضبط نفسك بأن تنامي مبكراً وتستيقظي مبكراً . .فقد قالت أم المؤمنين عائشة : "عجبت لمن ينام عن صلاة الصبح كيف يرزق . . ؟"
فبعد صلاة الصبح تقسم الأرزاق. أنت تنامين ولا تصلين، والله يرزقك . . ألا تخجلين من نفسك . .؟! تعصين الله وهو يمهلك ..
والسؤال الآن :
كيف يمكن الخلاص من استثقال التوبة واستصعاب الالتزام ..؟
والجواب، عليك الآن بالآتي :
1- دفع التسويف :
فوراً وبلا تردد . . والتوبة بادئ الرأي ألاَّ تُفكري قبل أن تتوبي، وأن تسلمي لله سبحانه وتعالى . . وانظري لكلمة اشتهرت عن سيدنا علي t - ولا نعلم مدى صحة نسبتها إليه - . . أنه لما عرف الإسلام، قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : "ألا تستشير والديك؟"
قال : "وهل استشار الله سبحانه وتعالى والدي حين خلقني . . ؟"
إنَّ أحدهم إذا قلت له :" تعال لنصلي العصر" قال لك : "سوف أصلي ركعتي استخارة أولاً" . . فيم تستخير . . ؟ وعلام ؟
إن الواجب عليك أن تتوبي الآن وبلا تسويف ، فإنَّ التوبة فرض واجب .
هل تفكرين ما إذا كنت ستتوبين أولا ؟
إن هذه كمن يستفتي الناس فيما شرع الله؛ هل صحيح أم لا ؟
إنها أوامر الله ، وقد هداك النجدين ؛إما أن تطيعيه، أو أن تعصيه . فماذا ستصنعين؟
اعلمي أن أول علاج لاستثقال التوبة واستصعاب الالتزام هو دفع التسويف فوراً . . وتحرير النية . .
2- الصدق مع الله :
إذا صدقت مع الله فسيعوضك خيراً مما تركت ، فمن تركت الاختلاط لله سيرزقها الله من حيث لا تحتسب . . سبحان الذي يُطِعم ولا يُطَعم . . فهو الذي قال: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ *} [الذاريات: 56-58]
وهو الذي قال سبحانه : { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ *} [الذاريات: 22-23]
و هو تعالى القائل : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }[هود: الآية 6]
سبحانه قال: { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا } [فصلت: 10]
أتخافين أن يـُجيعك الله؟
أتخافين ألا يزوجك الله؟
أتخافين أن يتركك الله غير آمنة؟
يجب عليك أولاً الصدق مع الله . . اصدقي الله يصدقك . . توبي توبة صادقة يكفِك كل ما أهمك . .
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق : 2 ، 3] .
واعلمي أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته . .
3- التبرؤ من الحول والقوة :
أن تتبرئي من كُلّ حول وقوة ، وأن تستشعري الإعانة والمعية وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى.
إن كُلّ صعب بحول الله وقوته يصير سهلاً ، فإذا استعنت بالله أعانك ،والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فهو قادر على أن تبيتي وأنت تحبين المعاصي، وتصبحي وأنت تكرهينها . . وما يدريك؟
إن التبرؤ من الحول والقوة أن تدعي حولك وقوتك ، عزيمتك وهمتك، وأن تستعيني بالملك القادر القاهر، فاستعيني به . .
لما هُدد شعيب : { قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ * } [ الأعراف :88 ، 89] تبرأ من الحول والقوة بقوله: " عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا " . . و انتهت القضية . .
" اصنعوا ما شئتم" .. قالها نوح من قبل: { فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } [ يونس :71] .
وقالها هود – عليه السلام - : { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ } [هود 55 ، 56]
و كما قلنا من قبل، فإن نواصينا ونواصي أعدائنا فى يد ملك واحد ، في يد رب واحد، يصنع بنا وبهم كيف يشاء، لذلك تبرئي من حولك وقوتك، واستشعري معية الله :{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد : 4] .
بعلمه وإحاطته وحوله وقوته معك: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [ البقرة : 186] .. وقال صلى الله عليه وآله وسلم : "احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك" [الترمذي وقال حسن صحيح].
أيتها الأخت فى الله:
لاستشعار المعية انظري وقارني بين قول الله عزوجل : { أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [ العلق : 11-14 ] ،في مقابل جواب الله تعالى على قول موسى و هارون : { قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [ طه : 45 ، 46 ] .
قارني بين الآيتين : فالأولى { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق : 14] ذكِرت على سبيل التهديد والوعيد ، و الأخرى على سبيل تثبيت القلب، وطمأنته بعد الركون إلى الله وصدق اللجوء إليه . .
فى حال المعصية تذكري: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } ،أي سينتقم إن لم ترجعي.
وفى الثانية -حال كونك تتوبين- تذكري: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } معية رحمة وإعانة وتوفيق وتسديد وهداية .
أيتها المسلمة.. بل أيها المسلمون جميعاً.. التزموا
التزموا دين الإسلام..
ولا تقولوا الالتزام صعب)
فإن استثقلتم التوبة، والتمسك بسبيل النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه..
فادفعوا التسويف.. واصدقوا الله .. وتبرؤوا من الحول والقوة
تجدوا الالتزام يسرا، واتباع الهوى عُسرا
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العلمين