حرية المرأةلم تحظ المرأة في تاريخ الحضارات القديمة ما عدا الحضارة المصرية بأي نظرة إنسانية كريمة، وإنما كانت عند الرومان واليونان وفي شريعة حمو رابي وعند الهنود واليهود والمسيحيين.. محتقرة وملعونة لأنها أغوت آدم، ورجساً من عمل الشيطان، بل هي أحياناً تعد في عداد الماشية المملوكة.
أما الإسلام فقد أعطى المرأة حريتها في كافة الأصعدة، ولكن الحرية التي أعطاها لها الإسلام تتميز في سموها عن تلك التي أعطتها الأنظمة الأخرى للمرأة؛ فالحرية إذا لم تكن وفق أطر وضوابط لا يمكن أن تسمى حرية، وإنما تدخل في إطار الفوضى، فالمرأة في ظل الأنظمة الغربية أعطيت حرية الفوضى، لذا نجد انعكاسات هذه الفوضى تتجسد في تفكيك الأسرة التي تعد المرأة عمادها، وكذلك في انعدام القيم في المجتمع الذي تناصف المرأة فيه الرجل.
إن الدين الإسلامي أعطى للمرأة حريتها، ولكنها الحرية المسئولة، ومن هذه الحريات التي أعطاها الإسلام للمرأة:
1- حرية الاجتهاد وطلب العلم: قال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [ سورة الزمر: 9].
وقال صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )رواه مسلم.
2- الحرية السياسية : ولا دلالة في الآية (الرجال قوامون على النساء ) إلاّ على ما يخص الشؤون البيتية حيث يلزم في البيت الإدارة، والإدارة لابد فيها من مدير، ولذا قال سبحانه: (وبما أنفقوا من أموالهم).
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : ( لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ) فإنها قضية خارجية لا حكم ، ويؤيد ذلك أن قوم بلقيس أفلحوا حيث أسلمت وأسلموا معها لله رب العالمين.
3- حرية العمل والتجارة: فحرية العمل ليست محجوبة عن المرأة في الإسلام؛ ولكن بشرط ألا تكون على حساب الجوانب الأخرى من حياتها الأسرية؛ فلو أن حرية العمل تعارضت مع الواجبات الأخرى للزوجة، فإن الواجبات الأخرى تقدم باعتبارها واجبات لا بناءاً على اعتبارات أخرى.
أما حرية المرأة في ظل سلطان الولي ( الوالد وغيره ) ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :[ استأمروا النساء في أبضاعهن ] ، قيل : فإن البكر تستحي أن تَكَلمّ ؟ قال: [ سكوتها إذنها ] . رواه أحمد والنسائي .
وهو طلب وأمر للولي باستئذان البنت في الزواج.
وفي سياق التطبيق العملي لتلك الحرية في الاختيار ، جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول : إن أبي زوّجني من ابن أخيه ؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة . فدعا رسول الله أباها ، وجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله قد أجـزت ما صنع أبي ؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس للآباء من الأمر شيء. رواه أحمد والنسائي.
ما أعظم قوة شخصية هذه المرأة، ورعاية الإسلام لحقها في اختيار زوجها!
بل تعدّى حرية المرأة في ظل الإسلام إلى قائد الأمة والخليفة ، فهذه امرأة تقف بين الجموع وترد على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، حين أراد تحديد مهور النساء ، فتقول: "ليس لك هذا يا ابن الخطاب ؛ فإن الله تعالى يقول : ( وآتيـتم إحداهن قنطاراً ) ( سورة النساء: 20 ) فهل تدري ما القنطار يا عمر؟ فقال أمير المؤمنين: " رجل أخطأ وأصابت امرأة ". رواه أبو يعلى .
لقد كانت المرأة تتمتع بالحرية ، حتى مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي تنصاع له كل الناس، محبةً ورغبة في إرضائه ، فتقف المرأة تراجعه وتناقشه صلى الله عليه وسلم .. وقصة خولة بنت ثعلبة معروفة ومشهورة ، وهي التي نزلت فيها سورة "المجادلة" ، تستجيب لطلبها وترعى شأنها.
وحرية المرأة في ظل الإسلام تجاوزت تلك الحدود إلى درجة مناقشة الوحي ، فحين شعرت أم سلمة أن الوحي يخاطب الرجال ، هبت مسرعة إلى رسول الله تقول : يا رسول الله يُذكر الرجال في الهجرة ولا نُذكر ؟ فنزل قول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) (سورة آل عمران:195) . [رواه الحاكم في المستدرك والطبري في التفسير].
المرأة المسلمة الحرة هي المرأة المسئولة عن تصرفاتها وشرفها ودينها ، أما تحرر المرأة الغربية فهو تحرر من الملابس بل هو تمرد على أنوثتها.
المرأة المسلمة تحتفظ باسمها كاملاً وإن صارت زوجة، أما المرأة الغربية (الحرة) فتكنى بكنية زوجها.
المرأة المسلمة معززة مكرمة في مجتمعها المسلم المترابط ، بنتاً ، وزوجة ، وأماً ، وجدة ، أما المرأة الغربية فليس لها مكانة محترمة في مجتمعها بل هي كسلعة تجارية، إذا ما كبرت وذبلت زهرة شبابها فلا يبقى معها سوى كلبها الوفي.
إن المفهوم الغربي لحرية المرأة قد أدى بها إلى أن تكون سلعة في سوق النخاسين ـ عبر دور الأزياء وعروضها ـ وغانية في سوق الملذات والشهوات، يستعبدها الرجل ـ الذي يزعم تحريرها ـ ويستمتع بها، لأنه لا يريد حريتها، ولكنه يريد حرية الوصول إليها.
وللأسف الشديد ما تزال هناك انتهاكات صارخة ضد حقوق المرأة في العديد من دول العالم تتمثل في تجارة الرقيق الأبيض (تجارة النساء لغرض أعمال الدعارة).
إن المرأة الغربية المتحررة لم تخسر الحياة فقط، بل خسرتها وخسرت فيها المربية الفاضلة للأجيال الضائعة، والأم الحنون، والزوجة الكريمة؛ والأسرة السليمة المتزنة.
وهذه أقوال لبعض النساء في الغرب يذكرن فيه واقعهن مع الحرية- بمفهومها الغربي-، وما جنينه من هذه الحرية.
فهذه كاتبة أمريكية تدعى (فيليبس ماكينلي) تقول:
( هل نُعَدُّ نحن النساء - بعد أن نلنا حرياتنا أخيراً - خائنات لجنسنا، إذا ارتددنا لدَوْرنا القديم في البيوت؟ وتجيب عن سؤالها فتقول: إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري، إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب) (مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة/ مكية مرزا ص295 ).
وهذه مجلة نسائية أمريكية - هي مجلة (نيو وُمَن) -، تصرح فتقول:
( أين الرجولة في أمريكا؟ ماذا حدث للرجل الأمريكي؟ وماذا فعلت حركة تحرير المرأة بالرجل؟ وأضافت: الرجل أصبح رخواً في معاملته مع المرأة، في الشارع، في المكتب، في البيت..).
وهذه زوجة أحد رؤساء جنوب إفريقيا وتدعى (ماري دي كليرك)- كما نقلت ذلك وكالة رويتر للأنباء - تقول:
( إن المرأة لم يعد لها أهمية في ظل الحرية الزائفة، التي قضت على كيانها وشخصيتها، وجعلتها عرضة للاستغلال البشع من أصحاب العواطف المنحرفة من الرجال، ثم تقول: إن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت، الذي فيه تُكَوَّن الأسرة، وترعى فيه الأبناء، أجيال المستقبل، وأمل الأمة في غدها المنشود)( صحيفة الجزيرة – العدد 6810 ).
وأخيراً:
أرى أن المفاهيم الخاطئة لبعض توصيات الدين الإسلامي من قبيل تعدد الزوجات والنقص الذي أحست المرأة المسلمة به ؛ من قبيل نصفية الشهادة (شهادة الذكر بشهادة امرأتين) ، وتوزيع الميراث ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) وعدم السفر بدون محرم ...إلخ نقاط كثيرة كل واحد منها يستحق أن يكون موضعاً للدراسة، هذه المفاهيم المغلوطة كانت سبباً لإلصاق التهم بالإسلام ـ ظلماً ـ بأنه خنق حرية المرأة وسلبها حقها !
لقد أولى الإسلام المرأة مكانة عظيمة ، ورفع شأنها، أما الانتكاسات التي حدثت للمرأة في العهود المتأخرة نتيجة تحكيم العادات والتقاليد المخالفة للشريعة فإن الدين لا يتحمل أي جزء من المسؤولية كما يحاول أن يقول المغرضون.