ليس غريباً أن نتحدث عن البطالة عند الرجال، وعن نسبة العاطلين عن العمل منهم، فهذه مشكلة يجب تقصي أسبابها، والسعي الجاد لوضع الحلول العملية لها. ولكن المستغرب هو الحديث عن البطالة في صفوف النساء، فهل الأصل في المرأة أن تكون لها وظيفة، مثلها في ذلك مثل الرجل؟! وهل يتوجب عليها الخروج من بيتها لتعمل؟! وهل يعيبها جلوسها وقرارها في بيتها، ترعى شؤون زوجها، وتربي أولادها؟! وهل يعني هذا أنها عاطلة عن العمل؟!.. إنها تقوم بأعظم عمل! فالتربية أمر ليس بهين، وخاصة في زماننا هذا الذي استشرى فيه الفساد، وكثرت فيه الفتن.
فلماذا تسعون لإخراجها من بيتها؟!! إن من حق المرأة أن تنعم بالقرار في بيتها، وأن تسكن فيه، وإن كثرة خروجها منه، وكثرة مخالطتها للرجال، فيه من المفاسد والمحظورات ما لا يخفى على عاقل أو صاحب دين. قال عليه الصلاة والسلام:"ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء"[صحيح، الألباني-صحيح الترمذي:2780].
نحن لا ننكر أن هناك من تحتاج لتعمل لتحيى حياة كريمة، لأنها لا تجد من ينفق عليها، مع أن هذا غريب على مجتمع مسلم الأصل فيه أن يضمن لكل امرأة نفقتها، ولكن.. الله المستعان!. ولكننا من جانب آخر، نرى من النساء من يشغلن وظائف، كان من الأحرى أن يتركنها للرجال، فالشباب ما عادوا يستطيعون الزواج لأنهم غير قادرين على النفقة التي هم مكلفون بها أصلاً.. أليس هذا خللاً في الميزان؟!!.
إن المرأة والرجل خلقا ليعمرا الكون، وكل يعمل في موقعه وفي مجاله الذي خلق له، فلا ينبغي أن تختلط الأدوار، فالرجل يعمل ويكدح خارج البيت، وهذه طبيعته التي خلق عليها، وهو مكلف بالنفقة على أهل بيته. وأما المرأة فتعمل داخل البيت، وتجتهد في تربية أولادها، فهذا عملها الأول، وهي مع هذا نراها تساهم في أعمال البر والخير والإحسان، وفي تعليم أخواتها النساء أمور دينهن، وكثير من النساء لديهن همة عالية في أعمال كثيرة جليلة، فهل كل هؤلاء عاطلات عن العمل؟! أولا تستطيع المرأة أن تنفع أمتها إلا إن كانت عاملة أو موظفة؟! وكم من موظفة تضر أمتها أكثر مما تنفعها!! فليست الوظيفة هي مقياس النفع والإنجاز!!.
إننا لا نريد أن تكون المرأة في مكان لا يليق بها وبأنوثتها وحيائها،؛ نحن نحتاجها طبيبة، ونحتاجها ممرضة، ونحتاجها معلمة.. تعلم بنات جنسها أمور دينهن ودنياهن، ونحتاجها مربية.. فلماذا تسعون لإقحامها في أمور لا تليق بها كأنثى؟!.
يقول سيد قطب-يرحمه الله-(البيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى، غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة. ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه، ويهيئ للفراخ الناشئة فيه رعايتها، أوجب على الرجل النفقة، وجعلها فريضة، كي يتاح للأم من الجهد، ومن الوقت، ومن هدوء البال، ما تشرف به على هذه الفراخ الزغب، وما تهيئ به للمثابة نظامها وعطرها وبشاشتها. فالأم المكدودة بالعمل للكسب، المرهقة بمقتضيات العمل، المقيدة بمواعيده، المستغرقة الطاقة فيه.. لا يمكن أن تهب للبيت جوه وعطره، ولا يمكن أن تمنح الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها. وبيوت الموظفات والعاملات ما تزيد على جو الفنادق والخانات؛ وما يشيع فيها ذلك الأرج الذي يشيع في البيت. فحقيقة البيت لا توجد إلا أن تخلقها امرأة، وأرج البيت لا يفوح إلا أن تطلقه زوجة، وحنان البيت لا يشيع إلا أن تتولاه أم. والمرأة أو الزوجة أو الأم التي تقضي وقتها وجهدها وطاقتها الروحية في العمل لن تطلق في جو البيت إلا الإرهاق والكلال والملال.
وإن خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة، أما أن يتطوع بها الناس وهم قادرون على اجتنابها، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول، في عصور الانتكاس والشرور والضلال.
ولقد كان النساء على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يخرجن للصلاة غير ممنوعات شرعاً من هذا، ولكنه كان زمان فيه عفة، وفيه تقوى، وكانت المرأة تخرج إلى الصلاة متلفعة لا يعرفها أحد، ولا يبرز من مفاتنها شيء، ومع هذا فقد كرهت عائشة لهن أن يخرجن بعد وفاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-!. في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس. وفي الصحيحين أيضاً أنها قالت: لو أدرك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل!.. فماذا أحدث النساء في حياة عائشة رضي الله عنها؟ وماذا كان يمكن أن يحدثن حتى ترى أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان مانعهن من الصلاة؟! ماذا بالقياس إلى ما نراه في هذه الأيام؟!)).
إن الأمور باتت مضطربة، والأدوار مختلطة، وما عاد الرجل والمرأة يعرف كل ما له وما عليه.. فيا الله! رحماك من هذا الحال، ونعوذ بك من سوء العاقبة ومن شر المآل.. آمين ، والحمد لله رب العالمين.